الضعف والذل واضطهاد المصريين لهم وظلمهم إياهم، أبوا وتمردوا واعتذروا بضعفهم وقوة أهل تلك البلاد وحاولوا الرجوع إلى مصر وقالوا لموسى: إنا لن ندخل هذه الأرض ما دام هؤلاء الجبارون فيها، وقولهم (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) تأكيد لما فهم مما قبله مشعر بأنه لا علة لا متناعهم إلا ما ذكروه.
وفى إجابتهم هذه دليل على منتهى الضعف وحور العزيمة، وعلى أنهم لا يريدون أن يأخذوا شيئا باستعمال قواهم البدنية ولا العقلية، ولا أن يدفعوا الشر عن أنفسهم ولا أن يجلبوا لها الخير، بل يريدون أن يعيشوا بالخوارق والآيات ماداموا فى هذه الحياة ولا شك أن أمة كهذه لا تستحق أن تتمتع بنعيم الاستقلال، وتحيا حياة العز والكرامة، وتكون ذات تصرف مطلق فى شئونها، ومن ثمّ لم تفم لها دولة بعد «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» .
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) قوله: يخافون أي يخافون الله تعالى، وقوله: أنعم الله عليهما أي بالطاعة والتوفيق لما يرضيه، حتى فى حال الخوف والذّعر، والتوراة وتبعها المفسرون قاطبة على أن الرجلين هما يوشع بن نون وكالب بن يفنة، وأنهما كانا يحثّان القوم على الطاعة ودخول أرض الجبارين، ثقة بوعد الله بالنصر وتأييده إياهم.
(ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ. وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي ادخلوا عليهم باب المدينة فإذا فعلتم ذلك نصركم الله وأيدكم بروح من عنده، بعد أن تعملوا ما فى طاقتكم من طاعة ربكم وتثقوا به فيما لا يصل إليه كسبكم، إن كنتم مؤمنين بأن وعد الله حق، وأنه قادر على الوفاء به، وإنما جزم هذان الرجلان بأنهم سيغلبون إذا دخلوا، ثقة بنبوّة موسى، وهو قد أخبرهم بأن الله أمرهم بدخول الأرض المقدسة التي كتبها لهم، لا جرم قطعا بالنصر والغلبة على العدو.
(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) أي إنهم أصروا على العناد والتمرد، ولم تغن عنهم عظات الرجلين