والتحريم: المنع أي قال الله لموسى مجيبا دعوته: إن الأرض المقدسة محرمة على بنى إسرائيل تحريما فعليا لا تكليفا شرعيا، مدة أربعين سنة يتيهون فيها فى الأرض: أي يسيرون فيها فى برّية تائهين متحيرين لا يدرون أين مصيرهم.
(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) الأسى: الحزن، يقال أسيت عليه أسى وأسيت له أي فلا تحزن عليهم، لأنهم فاسقون متمردون مستحقون لهذا التأديب الإلهىّ جاء فى الفصل الرابع من سفر العدد أن بنى إسرائيل لما تمردوا وعصوا أمر ربهم، سقط موسى وهرون على وجوههما أمامهم، وأن يوشع وكالب مزّقا ثيابهما ونهيا الشعب عن التمرد وعن الخوف من الجبارين ليطيع، فهمّ الشعب برجمهما وطهر مجد الرب لموسى فى خيمة الاجتماع (وقال الرب لموسى: حتى متى يهيننى هذا الشعب؟ حتى متى لا يصدقوننى بجميع الآيات التي عملت فى وسطهم؟ إنى أضربهم بالوباء وأبيدهم وأصيّرك شعبا أكبر وأعظم منهم) فشفع موسى فيهم لئلا يشمت بهم المصريون وبه، فقبل الرب شفاعته ثم قال (إن جميع الرجال الذين رأوا مجدى وآياتي التي عملتها فى مصر وفى البرية وجربونى الآن عشر مرات ولم يسمعوا قولى، لن يروا الأرض التي خلفت لآبائهم، وجميع الذين أهانونى لا يرونها) واستثنى الرب كالبا فقط، ثم قال (أنا الرب قد تكلمت، لأفعلنّ هذا بكل هذه الجماعة الشريرة المتفقة علىّ، فى هذا القفر يفنون، وفيه يموتون) .
وإن فى هذا العقاب الإلهىّ لعبرة لأولى الألباب، يستفيدون منها أن الشعوب التي تنشأ فى مهد الاستعباد تذهب أخلاقها، ويذهب بأسها، وتضرب عليها الذلة والمسكنة وتأنس بالمهانة، وإذا طال عليها الأمد أصبحت تلك الصفات غرائز وطباعا خلقية لها، فإذا خرجوا من بيئتهم ورفع عنهم نير الظلم والاستعباد حنّوا إلى ما كانوا فيه، وتاقت نفوسهم إلى الرجوع إليه، وهذا شأن البشر فى جميع ما يألفون، ويجرون عليه من خير وشر.