للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بارزة للعيان، وفى ذلك دليل على أن الإنسان فى نشأته الأولى كان ساذجا قليل المعرفة، لكن لما فيه من الاستعداد والعقل كان يستفيد من كل شىء علما واختبارا وتنمية لمعارفه وعلومه، وقد أعلمنا الله أن القاتل تعلم دفن أخيه من الغراب فإنه تعالى بعث غرابا إلى ذلك المكان الذي هو فيه فبحث فى الأرض أي حفر برجليه فيها يفتش عن شىء كالطعام ونحوه فأحدث حفرة فى الأرض فلما رآها القاتل- وقد كان متحيرا فى مواراة أخيه زالت الحيرة واهتدى إلى دفنه فى حفرة مثلها.

وقوله ليريه: أي إنه تعالى ألهم الغراب ذلك ليتعلم ابن آدم منه الدفن، وحين رأى القاتل الغراب يبحث فى الأرض، تعلم منه سنة الدفن وظهر له جهله وضعفه، كما أشار إلى ذلك سبحانه حاكيا عنه:

(قالَ: يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) أي قال وا فضيحتى أقبلى فقد آن الأوان لمجيئك، فهل بلغ من عجزى أن كنت دون الغراب علما وتصرفا؟ والندم الذي أظهره من الأمور التي تعرض لكل من يفعل شيئا ثم يتبين له خطأ فعله وسوء عاقبته.

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضى الله عنه «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم كفل (نصيب) من دمها لأنه أول من سن القتل» .

والندم الذي يكون توبة هو ما يصدر من الشخص خوفا من الله وحسرة على تعدى حدوده، وهو الذي عناه

النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الندم توبة» رواه أحمد والبخاري والحاكم والبيهقي.

ثم ذكر نتائج هذا القتل فقال:

(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) أي إنه بسبب هذا الجرم الفظيع والقتل الشنيع الذي فعله أحد هذين الأخوين ظلما وعدوانا فرضنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أي بغير سبب موجب للقصاص الذي شرعه فى قوله «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها

<<  <  ج: ص:  >  >>