ثم ردّ على الاستفهام التهكمى باستفهام تهكمى مثله فقال:
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ) استعمال المثوبة فى الجزاء الحسن أكثر من استعمالها فى الجزاء السيّء، وقيل إن استعمالها فى الجزاء السيّء من باب التهكم والازدراء.
أي هل أنبئكم أيها المستهزءون بديننا وأذاننا مما هو شر من عملكم هذا جزاء وثوابا عند الله.
وهذا السؤال يستدعى سؤالا منهم عن ذلك الذي هو شر (ما هو) فأجابهم بقوله (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) من لعنه الله: أي جزاء من لعنه على حد قوله تعالى «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى» أي ولكن البر برّ من اتقى أي إن الذي هو شر من ذلك ثوابا وجزاء جزاء من لعنه الله وغضب عليه إلخ.
وفى هذا انتقال بهم من تبكيت لهم بإقامة الحجة على هزئهم ولعبهم بما ذكر- إلى ما هو أشد منه تبكيتا وتشنيعا عليهم، ذلك هو التذكير بسوء حال آبائهم مع أنبيائهم وما كان من جزاء الله لهم على فسقهم وتمردهم بأشد ما جازى به الفاسقين الذين ظلموا أنفسهم- من اللعن والغضب والمسخ وعبادة الطاغوت.
أما اللعن فقد ذكر فى عدة مواضع من القرآن الكريم مع بيان أسبابه، والغضب الإلهى يستلزم اللعنة، واللعنة تلزمه، إذ هى منتهى المؤاخذة لمن غضب الله عليه.
وأما جعله منهم قردة وخنازير فقد تقدم فى سورة البقرة «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» وسيأتى فى سورة الأعراف «فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» وجمهرة العلماء على أنهم مسخوا فكانوا قردة وخنازير على الحقيقة وانقرضوا، لأن الممسوخ لا يكون له نسل، ونقل ابن جرير عن مجاهد أنه قال: مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كما ضرب المثل بقوله «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» .