(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) أي فلما رأى القمر طالعا من وراء الأفق أول طلوعه قال هذا ربى على طريق الحكاية لما كانوا يقولون تمهيدا لإبطاله كما علمت فيما سلف.
والمتبادر من سياق الكلام أن إبراهيم رأى الكوكب فى ليلة ورأى القمر فى الليلة التالية.
(فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) أي فلما أفل القمر كما أفل الكوكب وهو أكبر منه منظرا وأسطع نورا وأقوى منه ضياء قال مسمعا من حوله من قومه: لئن لم يهدنى ربي ويوفقنى لإصابة الحق فى توحيده لأكوننّ من القوم الضالين الذين أخطئوا الحق فى ذلك فلم يصيبوا الهدى وعبدوا غير الله واتبعوا أهواءهم ولم يعملوا بما يرضيه سبحانه.
وفى هذا تعريض يقرب من التصريح بضلال قومه، وإرشاد إلى توقف هداية الدين على الوحى الإلهى، وقد ترقى فى هذا التعريض، لأن الخصوم قامت عليهم الحجة بالاستدلال الأول فأنسوا بالقدح فى معتقدهم، فما عرّض صلوات الله عليه بضلالهم إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى إتمام المقصود واستماعه إلى آخره، وقد انتقل فى المرة الثالثة من التعريض إلى التصريح بالبراءة منهم والتصريح بأنهم على شرك بيّن بعد أن تبلّج الحق وظهر غاية الظهور، وذلك قوله:
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) أي قال مشيرا إليها: هذا الذي أرى الآن هو ربى (هذا أَكْبَرُ) أي من الكواكب والقمر، وفى هذا مبالغة فى المجاراة لهم وتمهيد لإقامة الحجة عليهم واستدراج لهم إلى التمادي فى الاستماع بعد ذلك التعريض الذي كان يخشى أن يصدّهم عنه.
والخلاصة- أن هذا الطالع أكبر من الكواكب والقمر قدرا وأعظم ضياء ونورا فهو أجدر منهما بالربوبية.