(فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) أي فلما أفلت كما أفل غيرها واحتجب ضوء المشرق وكانت الوحشة بذلك أشد من الوحشة باحتجاب الكوكب والقمر صرّح بما أراد بعد ذلك التعريض الذي تقدم متبرئا من شرك قومه وتنحّى عنه لقبحه بعد أن جاراهم عليه أولا استمالة لهم وإصغاء إلى ما يقول.
والخلاصة- إنه حاور وداور، وتلطف فى القول، وأرخى لخصمه العنان، حتى وصل إلى ما أراد بألطف وجه وأحسن طريق، متبرئا من تلك المعبودات التي جعلوها أربابا وآلهة مع الله.
وبعد أن تبرّأ من شركهم قفّى تلك البراءة ببيان عقيدته عقيدة التوحيد الخالص فقال:
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي إنى جعلت توجهى فى عبادتى لمن خلق السموات والأرض وأكمل خلقهن أطوارا فى ستة أيام، فهو خالق هذه الكواكب النيرات وخالقكم وما تصنعون منه هذه الأصنام من معدن ونبات.
وإسلام الوجه له تعالى توجّه القلب إليه وعبر عنه به لأن الوجه أعظم مظهر لما فى النفس من الإقبال أو الإعراض، والسرور أو الكآبة، إلى نحو أولئك. وتوجيهه له جعله يتوجه إليه وحده، فى طلب حاجته وإخلاص عبوديته، إذ هو المستحق للعبادة، القادر على الأجر والثواب.
والخلاصة- إن إبراهيم تبرأ أولا من شركهم أو شركائهم ثم تبرأ منهم أنفسهم.