وشرف الدنيا وكرامة الآخرة- هو هدى الله الخاص وتوفيقه ولطفه الذي يوفق به من يشاء حتى ينيب إلى طاعته، ويخلص العمل له، ويقر بالتوحيد، ويرفض الأوثان والأصنام.
والهداية ضربان: ضرب ليس لصاحبه سعى فيه ولا هو مما ينال بالكسب وهو النبوة وهو ما أشير إليه بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» .
وضرب آخر ينال بالكسب والاستعداد مع اللطف الإلهى والتوفيق لنيل المراد.
ثم ختم سبحانه الآية بنفي الشرك وتقرير التوحيد فقال:
(وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ولو أشرك أولئك المهديون بربهم فعبدوا معه غيره لبطل أجر أعمالهم التي يعملونها، إذ توحيد الله تعالى هو المزكّى للأنفس، فضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدسّى لها والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه فائدة لعمل آخر يترتب عليه نجاتها وفلاحها به.
(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) المراد بالكتاب ما ذكر فى القرآن من صحف إبراهيم وموسى وزبور داود وإنجيل عيسى، والحكم: العلم والفقه فى الدين. وكل نبى آتاه الله العلم الصحيح والفقه فى أمور الدين وشئون الإصلاح وفهم الكتاب الذي تعبده به سواء أنزله عليه أم أنزله على غيره واختصّ بعضهم بإيتائه الحكم صبيا كيحيى وعيسى أي بإعطائه ملكة الحكم الصحيح فى الأمور.
وأما الحكم بمعنى القضاء والفصل فى الخصومات فلم يعطه إلا بعض الأنبياء.
أي إن أولئك الأنبياء الذين ذكرت أسماؤهم أوتوا الحكم والقضاء بين الناس لفصل الخصومات، وذلك مستلزم للعلم والفقه وتكون هذه العطايا الثلاث مرتبة بحسب درجات الخصوصية، فبعض النبيين أوتى الثلاث كإبراهيم وموسى وعيسى وداود، قال تعالى حكاية عن إبراهيم «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً» فهو قد دعا هذا الدعاء وهو رسول عليهم بعد محاجة قومه، وقال حكاية عن موسى:«فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» وقال عز اسمه: «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ