دون تحقيق لذلك، ولا برهان لهم على ما يقولون، فهم يكذبون على الله فيما ينسبونه إليه من اتخاذ الولد، وجعل عبادة الأوثان ذريعة إليه، وتحليل المينة والبحائر ونحو ذلك.
وتاريخ تلك العصور يؤيد الحكم القطعي الذي فى الآية من ضلال أكثر أهل الأرض، واتباعهم للخرص والظن فأهل الكتاب من اليهود والنصارى قد تركوا هداية أنبيائهم، وضلوا ضلالا بعيدا، وكذلك الأمم الوثنية، التي كانت أبعد عهدا عن هداية الرسل والأنبياء.
وهذا من علم الغيب الذي أوتيه ذلك النبي الأمى، وهو لم يكن يعلم من أحوال الأمم إلا النذر اليسير من شئون الأمم المجاورة لبلاد العرب.
ثم أعقبه بتأكيد آخر زيادة فى التحذير فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي إن ربك الذي رباك وعلمك بما أنزله إليك، وبين لك ما لم تكن تعلم من الحق ومن شئون الخلق- هو أعلم منك ومن سائر عباده، بمن يضل عن سبيله القويم، وبمن هو من المهتدين، السالكين صراطه المستقيم، ففوّض أمرهم إلى خالقهم فهو العليم بالضال والمهتدى، ويجازى كلا بما يليق بعمله.
وبعد أن أبان لرسوله صلّى الله عليه وسلم أن أكثر أهل الأرض يضلّون من أطاعهم، لأنهم ضالون خرّاصون، وأنه تعالى هو العليم بالضالين والمهتدين- أمر رسوله وأتباعه بمخالفة أولئك الضالين، من قومهم ومن غيرهم فى مسألة الذبائح وترك جميع الآصار والآثام، فقال:
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) أي إذا كان حال أكثر هؤلاء الناس ما بينته لكم من الضلال فكلوا مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح دون غيره، إن كنتم بآياته التي جاءتكم بالهدى والعلم مؤمنين، وبما يخالفها من الضلال والشرك مكذبين.