وقد كان مشركو العرب وغيرهم من أرباب الملل والنحل يجعلون الذبائح من أمور العبادات، ويقرنونها بأصول الدين والاعتقادات، فيتعبدون بذبح الذبائح لآلهتهم ومن قدّسوا من رجال دينهم، ويهلون لهم عند ذبحها، وهذا شرك بالله، لأنه عبادة يقصد بها غيره، سواء سمّوه إلها أو معبودا أو لم يسموه، وقد وقع كثير من المسلمين فى مثل ما كان عليه أولئك الضالون المشركون من مشركى العرب وسواهم فذبحوا باسم بعض الأولياء والصالحين، وسيّبوا لهم السوائب، فتراهم ينذرون العجول والخراف للسيد البدوي وغيره من أرباب الأضرحة والقبور ممن يستشفعون بهم إلى ربهم فى زعمهم، وهذا شرك صريح.
(وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) العرب تقول مالك ألا تفعل كذا، على معنى وأي شىء يمنعك من ذلك؟ والمراد هنا وأي شىء يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؟
(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) أي وقد فصل لكم ما حرمه عليكم وبينه بما سيأتى فى قوله: «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» ومعنى أهلّ لغير الله به أي ذكر عليه اسم غيره عند ذبحه كالأصنام والأنبياء والصالحين الذين وضعت التماثيل ذكرى لهم.
(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) أي إلا ما دعتكم الضرورة إلى أكله بأن لم يوجد من الطعام عند شدة الجوع إلا المحرم فحينئذ يزول التحريم. والقاعدة الشرعية «الضرورات تبيح المحظورات» والقاعدة الأخرى «الضرورة تقدّر بقدرها» فيباح للمضطر ما تزول به الضرورة ويتّقى به الهلاك أكثر منه.
(وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي وإن كثيرا من الناس يضلون غيرهم بأهوائهم الزائغة وشهواتهم الفاسدة من غير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان على ما فيه يجادلون، اعتداء وخلافا لأمر الله ونهيه وطاعة للشياطين، كعمرو بن لحىّ