وقومه الذين اتخذوا البحائر والسوائب، وأحلوا أكل الميتة، وما أهل به لغير الله بذكر اسم ذلك من نبى أو وثن أو صم.
وأصل عبادة الأوثان أنه كان فى القوم الذين أرسل إليهم نوح رجال صالحون، فلما ماتوا وضعوا لهم أنصابا ليتذكروهم بها ويقتدوا بهم، ثم صاروا يكرمونها لأجلهم، ثم خلف من بعدهم خلف جهلوا حكمة وضعها لكنهم حفظوا تكريمها، والتبرك بها، تدينا وتوسلا إلى الله، فكان ذلك عبادة لها وتسلسل فى الأمم بعدهم، وقد روى البخاري عن ابن عباس: إن المضلين يبنون شبهاتهم على جميع أنواع العبادة التي عبدوا بها غير الله كالتوسل به ودعائه، وطلب الشفاعة منه، وذبح القرابين باسمه، والطواف حول تمثاله أو قبره والتمسح بأركانهما، وكل ذلك شرك فى العبادة، شبهته تعظيم المقربين من الله تعالى للتقرب بهم إليه.
وقد انتشرت هذه الشبهات الوثنية فى أرباب الكتب الإلهية، وأولوا لأجلها النصوص القطعية وأنكروا تسمية ذلك عبادة، أو أن هذه العبادة إذا كانت لغير الله لجعله واسطة ووسيلة إليه لا تعد شركا به، وما الشرك فى العبادة إلا هذا.
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) أي إن ربك الذي أرشدك وهداك هو أعلم منك ومن سائر خلقه بالمعتدين الذين يتجاوزون ما أحله إلى ما حرمه عليهم، أو يتجاوزون حد الضرورة عند وقوعها. وفى هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى.
وفى الآية إيماء إلى تحريم القول فى الدين بالتقليد لأن ذلك من اتباع الأهواء، بغير علم، إذ المقلد غير عالم بما قلّد فيه.
(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) الإثم لغة ما قبح، وشرعا ما حرمه الله، والله لم يحرم على عباده إلا ما كان ضارا بالأفراد فى أنفسهم أو فى أموالهم أو فى عقولهم أو فى أعراضهم أو فى دينهم، أو ضارا بالجماعات فى مصالحهم السياسية أو لاجتماعية.
والظاهر منه ما تعلق بأفعال الجوارح، والباطن ما تعلق بأعمال القلوب، كالكبر والحسد وتدبير المكايد الضارة والشرور للناس، ومنه الاعتداء فى أكل المحرم الذي