وروى أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله تعالى (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال: سمعتهم يقولون:
إذا فسد الناس أمّر عليهم شرارهم اهـ. ذاك أن الملوك يتصرفون فى الأمم الجاهلة الضالة تصرف الرعاة فى الأنعام السائمة، فهم يتخذون الوزراء والحاشية من أمثالهم فيقلدهم جمهور الأمة فى سيىء أعمالهم، فيغلب الفساد على الصلاح، ويفسقون عن أمر الله فيهلكون، أو يسلط عليهم الأمم القوية التي تستبيح حماهم وتثلّ عروشهم ويصبحون مستعبدين أذلاء بعد أن كانوا سادة أعزاء كما قال سبحانه:«وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً»
اما الأمم العالمة بسنن الاجتماع التي أمرها شورى بين زعمائها وأهل الرأى فيها، فلا يستطيع الملوك أن يتصرفوا فيها كما يشاءون، بل يكونون تحت مراقبة أولى الأمر فيها.
وقد وضع الإسلام هذا الدستور فجعل أمر الأمة بين أهل الحل والعقد، وأمر الرسول بالمشاورة، فسار على هذا النهج. وجعلت الولاية العامة- الخلافة- بالانتخاب.
واقتفى الخلفاء الراشدون خطواته وجروا على سنته، فقال الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه فى أول خطبة له: أما بعد فإنى قد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينونى، وإذا زغت فقوّمونى.
وقال الخليفة الثاني على المنبر: من رأى منكم فىّ اعوجاجا فليقوّمه.. وقال الخليفة الثالث على المنبر أيام الفتنة: أمرى لأمركم تبع.
وقوله (الظَّالِمِينَ) يشمل الظالمين لأنفسهم والظالمين للناس من الحكام وغيرهم، إذ كل من هؤلاء وأولئك يتولى من يشا كله فى أخلاقه وأعماله وينصره على من يخالفه.
ثم أجاب سبحانه عن سؤال يخطر بالبال وهو: ما حال الظالمين إذا قدموا على الله يوم القيامة؟ فأجاب بأنهم يسألون فقال: