وقد انتهى ذلك ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه الله بقوله:«وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» .
وقد مضت سنة الله فى الأمم أن الذين يقترحون الآيات لا يؤمنون بها، ومن ثم لم يعط الله تعالى رسوله شيئا مما كانوا يقترحونه عليه.
(والثاني) أجل مقدر لحياة الأمم سعيدة عزيزة باستقلالها ومكانتها بين الأمم وهذا منوط بسنن الله فى الاجتماع البشرى وعوامل الرقى والعمران.
وأسباب انتهاء هذا الاجتماع لا تعدو مخالفة ما أرشدت إليه الآيات السالفة كإسراف فى الزينة أو إسراف فى التمتع بالطيبات، أو باقتراف الفواحش والآثام والبغي على الناس، أو بالتوغل فى خرافات الشرك والوثنية، أو بالكذب على الله بإرهاق الأمة بما لم يشرعه الله لها من الأحكام.
فالأمم التي ترتكب هذه الضلالات والمفاسد يسلبها الله سعادتها ويسلط عليها من يستذلها كما قال تعالى:«وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» .
وهاكم شاهد صدق على ما نقول:
إن الأمم التي كان لها شأن يذكر فى التاريخ كالرومان والفرس والعرب والترك وغيرهم ممن سلب ملكهم كله أو بعضه- لم يكن لذلك من سبب سوى ما أسلفنا.
وهذا الضرب من الأجل وإن عرفت أسبابه، لا يمكن أن يحدّ بالسنين والأيام، ولكن الله يعلم تحديده بما أوجده من الأسباب التي تنتهى بمسبباتها، وبالمقدمات التي تترتب عليها نتائجها، كما قال:
(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) الساعة لغة: أقل مدة من الزمن أي فإذا جاء الوقت الذي وقّته الله لهلاكهم وحلول العقاب بهم لا يتأخرون عنه بالبقاء فى الدنيا أقل تأخر، كما أنهم لا يتقدمون أيضا عن الوقت الذي جعله لهم وقتا للفناء والهلاك.