وفى الآية إيماء إلى أن الأمة قد تملك طلب تأخير الهلاك قبل مجيئه أي قبل أن تغلبها على إرادتها أسباب الهلاك، بأن تترك الفواحش والآثام والظلم والبغي والإسراف المفسد للأخلاق وخرافات الشرك المفسدة للعقول وتترك البدع فى التحريم والتحليل بما لم يخاطب به المولى عباده، بأن يقوم فيها جماعة من المصلحين، فيرشدوها إلى تغيير ما بأنفسها من الفساد، فيغيّر الله ما بها.
وهذا من استيخار الهلاك أو منعه عنها قبل مجىء أجلها.
وتأثير الفسق والفساد فى الأمم يشبه تأثيره فى الأفراد، فكما أن الأطباء متفقون على أن السكر من أسباب الأمراض البدنية والعقلية التي تفضى إلى الموت، وعلى أن تأثيره فى البدن القوىّ دون تأثيره فى البدن الضعيف، وعلى أن القليل منه يبطىء تأثير ضرره عن تأثير ضرر الكثير منه- كذلك أطباء الاجتماع متفقون على أن الإسراف فى الفسق والترف مفسد للأمم، وأن الظلم والبغي والغلوّ فى المطامع من أسباب الهلاك والدمار، ولكن قد يكون لدى بعضها ما تقاوم به تأثير هذه الأدواء الاجتماعية كالنظام ومراعاة سنن الاجتماع حتى فى إخفاء الظلم وإتقان الوسائل والأسباب فى إلباس العدل وإبراز إفسادها فى صورة الإصلاح وإيجاد أنصار من المظلومين يساعدون فى بقاء هذا الظلم، وإقناع الكثير منهم بأن هذا خير لهم وأبقى، غير أن كل هذا لا يمنع انتقام الله منهم، وإنما يؤخره على مقتضى سننه فى عباده، ولا يمنعه عنهم إلا الرجوع إلى الحق والاعتدال والصلاح والإصلاح.
والأجل المقدّر بمقتضى نظام الخلق هو الذي يسميه العلماء بالعمر الطبيعي فالطبيب إذا فحص الجسم ورأى أعضاءه الرئيسية ومقدار مناعتها أمكنه أن يقدر له مدة معينة من الحياة إذا عاش بنظام واعتدال بحسب ما وضعه الله من السنن، فإذا هو قتل أو غرق قبل انتهاء العمر المقدر له يقال مات قبل انتهاء عمره الطبيعي أو التقديري ولكن مات بأجله الحقيقي عند الله.