فأثبت فى هؤلاء الآيات الإعادة وشبهها بالبدء، وهو تشبيه فى جملة ذلك لا فى تفصيله، فإنه كما خلق جسد الإنسان الأول خلقا ذاتيا مبتدأ ونفخ فيه الروح- يخلق أجسام أفراد الإنسان خلقا ذاتيا معادا، ثم ينفخ فيها أرواحها التي كانت بها أناسىّ فى الحياة الدنيا، فما الأجساد إلا كالسكن للأرواح.
وليس بالبعيد على خالق العالم كله أن يعيد أجساد ألوف الملايين دفعة واحدة ولا سيما بعد أن أثبت العلم أنه يمكن تحليل بعض المواد المؤلفة من عناصر مختلفة، ثم إعادة تركيبها، وقد كان لتقدم الإنسان فى العصر الحديث ومعرفته لكثير من ظواهر الكون أثر عظيم فى تعرفنا لكثير من أخبار عالم الغيب وسهولة إدراك العقول لها، ومن ثم قال كثير من علماء العصر الحديث: ليس فى العالم شىء مستحيل.
ولا يراد بحشر الأجساد حشرها بأعيانها لأجل وقوع الجزاء عليها، ألا ترى أن العلماء يقولون: إن الأجساد تتجدد فى قليل من السنين. ومع ذلك لا يعتقد أحد من القضاة أن العقاب يسقط عن الجاني بانحلال أجزاء بدنه التي زاول بها الجناية وتبدل غيرها بها، فحقيقة الإنسان لا تتغير بهذا التبدل، إذ ليس هذا إلا كتبدل الثياب ونحوها، إذ المستحق للثواب والعقاب هو الروح، لأن مبنى الطاعة والعصيان الإدراكات والإرادات والأفعال والحركات.
والخلاصة- إن الإنسان الحقيقي هو الذرة التي تحل فى القلب وفيها تحل الروح وتكسبها الحياة وتسرى منها إلى الهيكل الجسماني، فهذا الهيكل هو آلة قضاء أعمال تلك الذرة فى هذا الكون واكتساب العلوم والمعارف، وهى مع الروح الحالّ فيها هما المخاطبان بالتكليف، وهما المعادان والمنعّمان والمعذبان إلى نحو ذلك.
وبعد أن ضرب الله إحياء البلاد بالمطر مثلا لبعث الموتى- ضرب اختلاف نتاج البلاد مثلا لما فى البشر من اختلاف الاستعداد لكل من الهدى والكفر والرشاد والغى فقال: