وفى قوله: بغير الحق- تأكيد للواقع وتذكير بقبحه وسوء حال أهله، أو لبيان أنه بغير حق عندهم أيضا بأن يكون ظلما ظاهرا لا يخفى على أحد قبحه كما جاء فى قوله:
«وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ» .
وبعد أن حكى المثل خاطب البغاة فى أي مكان كانوا وفى أي زمان وجدوا منبها واعظا فقال:
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي يا أيها الغافلون عن أنفسكم، أما كفا كم بغيا على المستضعفين منكم اغترارا بقوتكم وكبريائكم، إنما بغيكم فى الحقيقة على أنفسكم، لأن عاقبة وباله عائدة إليكم، وإنما تتمتعون ببغيكم متاع الحياة الدنيا الزائلة وهى تنقضى سراعا، والعقاب باق، وأقله توبيخ الضمير والوجدان.
(ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي ثم إنكم ترجعون إلينا بعد هذا التمتع القليل فننبئكم بما كنتم تعملون من البغي والظلم والتمتع بالباطل ونجازيكم به.
وفى الآية إيماء إلى أن البغي مجزىّ عليه فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فلقوله:
إنما بغيكم على أنفسكم، ولما
جاء فى الحديث الذي رواه الإمام أحمد والبخاري «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة فى الدنيا مع ما يدّخر له فى الآخرة من البغي وقطيعة الرحم»
، والذي
رواه أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاث هن رواجع على أهلها: المكر والنّكث والبغي، ثم تلا: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) - (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) - و (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) .
وأما فى الآخرة فكفى دلالة على ذلك ما أفادته الآية من التهديد والوعيد.
والخلاصة- إن البغي وهو أشنع أنواع الظلم يرجع على صاحبه- لما يولّد من العداوة والبغضاء بين الأفراد ولما يوقد من نيران الفتن والثورات فى الشعوب، انظر إلى من يبغى على مثله تجده قد خلق له عدوا أو أعداء ممن يبغى عليهم.
ولا شك أن وجود الأعداء ضرب من العقوبة، فهم يقتصون لأنفسهم منه بكل