خاصة لمن يهتدى بها، فحجبها عنكم جهلكم وغروركم بالمال والجاه فلم تتبينوا منها ما تدل عليه من التفرقة بينى وبينكم، فمنعتم فضل الله عنى بحرمانى من النبوة.
(أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي أنكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين لها، كلا، إنا لا نفعل ذلك، بل نكل أمركم إلى الله حتى يقضى فى أمركم ما يرى ويشاء، وما علىّ إلا البلاغ.
وهذا أول نصّ فى دين الله على أنه لا ينبغى أن يكون الإيمان بالإكراه.
وفى هذه الآية إثبات لنبوته عليه السلام، وردّ لإنكارهم لها وتكذيبه ومن معه فيها، وإبطال لشبهتهم فى أنه بشر مثلهم، وقد فاتهم أن المساواة فى البشرية لا تقتضى استواء أفراد الجنس فى الكمالات والفضائل؟ فالمشاهدة والتجارب تدل على التفاوت العظيم بين أفراد البشر فى العقل والفكر والرأى والأخلاق والأعمال، حتى إن الواحد منهم ليأتى بضروب من الإصلاح لقومه بالعلم والعمل يعجز عن مثلها الألوف من الناس فى أجيال كثيرة.
والناس ألف منهم كواحد ... وواحد كالألف إن أمر عرا
فما بالك بمن يختصهم الله من عباده بما شاء مما لا كسب لهم فيه كالأنبياء والرسل الكرام.
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ) أي لا أسألكم على نصيحتى لكم ودعوتكم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له إلا خيركم ومصلحتكم ولا أريد بذلك مالا فأكون متهما فيه عندكم لمكانة حبّ المال من أنفسكم واعتزازكم به علىّ وعلى الفقراء من أتباعى، فما أجري على ذلك إلا على الله الذي أرسلنى، فهو الذي يجازينى ويثيبنى عليه.
ومثل هذه المقالة قد صدرت من جميع الأنبياء بعده، فجاءت على لسان هود وصالح وشعيب ومحمد، صلوات الله عليهم أجمعين كما ترى ذلك فى سورة الشعراء محكيا عنهم.