(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) أي إنه سيدى المالك لرقبتى، قد أحسن معاملتى فى إقامتى عندك وأوصاك بإكرام مثواى، فلا أجزيه بالإحسان إساءة وأخونه فى أهله، ثم علل ما صنع بقوله:
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي إنه تعالى لا يفلح الظالمين لأنفسهم والظالمين للناس بخيانة وتعدّ على الأعراض لا فى الدنيا ببلوغ الإمامة والرياسة ولا فى الآخرة بالوصول إلى رضوان الله تعالى ودخول جنات النعيم.
وفى هذا إيماء إلى الاعتزاز به، والأمانة لسيده، والتعريض بخيانة امرأته، واحتقارها بما أضرم نار الغيظ فى صدرها.
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) أي ولقد همت بأن تبطش به، إذ عصى أمرها وخالف مرادها وهى سيدته وهو عبدها، وقد استذلت له بدعوته إلى نفسها بعد أن احتالت عليه بمراودته عن نفسه، وكلما ألحّت عليه ازداد عتوّا واستكبارا، معتزا عليها بالديانة والأمانة، والترفع عن الخيانة، وحفظ شرف سيده وهو سيدها، ولا علاج لهذا إلا تذليله بالانتقام، وهذا ما شرعت فى تنفيذه أو كادت بأن همت بالتنكيل به.
(وَهَمَّ بِها) لدفع صيالها عنه وقهرها بالبعد عما أرادته.
(لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي ولكنه رأى من ربه فى سريرة نفسه ما جعله يمتنع من مصاولتها واللجوء إلى الفرار منها.
والخلاصة- إن الفارق بين همها وهمه، أنها أرادت الانتقام منه شفاء لغيظها إذ فشلت فيما تريد، وأهينت بعتوه واستكباره وإبائه لما أرادت، وأراد هو الاستعداد الدفاع عن نفسه، وهمّ بها حين رأى أمارة وثوبها عليه، فكان موقفهما موقف المواثبة والاستعداد للمضاربة، ولكنه رأى من برهان ربه وعصمته ما لم تر مثله إذ ألهمه أن الفرار من هذا الموقف هو الخير الذي به تتم حكمته فيما أعده له، فاستبقا باب الدار وكان من أمرهما ما يأتى بيانه فيما بعد، هذا خلاصة رأى نقله ابن جرير وأيده الفخر الرازي وأبو بكر الباقلاني.