ويرى غيرهم من المفسرين أن المعنى أنها همت بفعل الفاحشة ولم يكن لها معارض ولا ممانع، وهمّ هو بمثل ذلك، ولولا أن رأى برهان ربه لاقترفها.
وقد فنّده بعض العلماء لوجوه:
(١) إن الهم لا يكون الا بفعل للهامّ، والوقاع ليس من أفعال المرأة حتى تنهم به، وإنما نصيبها منه قبوله ممن يطلبه منها بتمكينه منه.
(٢) إن يوسف لم يطلب منها هذا الفعل حتى يسمى قبولها لطلبه ورضاها بتمكينه همّا لها، فالآيات قبل هذه وبعدها تبرئه من ذلك بل من وسائله ومقدماته.
(٣) إنه لو وقع ذلك لوجب أن يقال (ولقد هم بها وهمت به) لأن الهم الأول هو المقدم بالطبع وهو الهم الحقيقي والهم الثاني متوقف عليه.
(٤) إنه قد علم من هذه القصة أن هذه المرأة كانت عازمة على ما طلبته طلبا جازما ومصرّة عليه، فلا يصح أن يقال إنها همت به، إذ الهم مقاربة الفعل المتردد فيه، بل الأنسب فى معنى الهمّ هو ما فسرناه به أوّلا، وذلك لإرادة تأديبه بالضرب.
وقد روواهنا أخبارا من الإسرائيليات عن تهتك المرأة وتبذلها مما لا يقع مثله من أوقح الفساق الذين تجردوا من جلابيب الحياء فضلا عمن ابتلى بالمعصية أول مرة من سليمى الفطرة الذين لم تغلبهم ثورة الشهوة الجامحة على حيائهم الفطري وحيائهم من نظر ربهم إليهم (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) أي جرت أفعالنا وأقدارنا كذلك لنصرف عنه دواعى ما أرادت به من السوء وما راودته عليه قبله من الفحشاء- بعصمة منا تحول دون تأثير دواعيهما الطبيعية فى نفسه، حتى لا يخرج من جماعة المحسنين إلى جماعة الظالمين الذين ذمهم وشهد هو فى رده عليها بأنهم لا يفلحون، وقال: لنصرف عنه السوء والفحشاء، ولم يقل لنصرفه عن السوء والفحشاء، لأنه لم يعزم عليهما بل لم يتوجه إليهما فيصرف عنهما.
(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) أي إنه من جماعة المخلصين وهم آباؤه الذين أخلصهم بهم وصفّاهم من الشوائب وقال فيهم «وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ