على دعوتهن، والرؤية بأبصارهن ما يكون فيه معذرة لها فيما فعلت. وذلك منهن مكر لا رأى، وقد وصلن إلى ما أردن كما قال تعالى:
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) أي فلما سمعت مقالتهن التي يردن بها إغضابها حتى تريهن يوسف إبداء لمعذرتها فينلن ما يبغين من رؤيته، وقد كان من المتوقع أن تسمع ذلك، لما اعتيد بين الخدم من التواصل والتزاور، وهن ما قلنه إلا لتسمعه، فإن لم يتم لهن ما أردن احتلن فى إيصاله، وقد كان ما أردن كما قال:
(أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) أي مكرت بهن كما مكرن بها، ودعتهن إلى الطعام فى دارها، وهيأت لهن ما يتكئن عليه من كراسى وأرائك كما هو المعروف فى بيوت العظماء، وكان ذلك فى حجرة المائدة، وأعطت كل واحدة منهن سكينا، لتقطع بها ما تأكل من لحم وفاكهة.
(وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) أي وأمرته بالخروج عليهن، وفى هذا إيماء إلى أنه كان فى حجرة فى داخل حجرة المائدة التي كن فيها محجوبا عنهن، وقد تعمدت إتماما للحيلة والمكر بهن أن يفجأهن وهن مشغولات بما يقطعنه ويأكلنه علما منها بما يكون لهذه المفاجأة من الدهشة، وقد تم لها ما أرادت كما يشير إلى ذلك قوله:
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أي فخرج عليهن فلما رأينه أعظمنه ودهشن لذلك الجمال البارع وذهلن فقطّعن أيديهن بدلا من تقطيع ما يأكلن ذهولا عما يعملن أي فجرحنها بما فى أيديهن من السكاكين، لفرط دهشتهن وخروج حركات الجوارح عن منهاج الاختيار، حتى لم يشعرن بما عملن، ولا ألمن لما نالهن من أذى، واستعمال القطع بمعنى الجرح كثير فى كلامهم فيقولون كنت أقطع اللحم فقطعت يدى، يريدون فأخطأتها فجرحت يدى حتى كدت أقطعها.
(وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) أي وقلن هذا على نهج التعجب والتنزيه لله تعالى أن يكون هذا الشخص الذي لم يعهد مثاله فى جماله ولا فى عفته من النوع الإنسانى، إن هو إلا ملك تمثل فى تلك الصورة البديعة التي تخلب الألباب وتدهش الأبصار.