(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) أي وقد أحسن بي ربى إذ أخرجنى من السجن وسما بي إلى عرش الملك، وجاء بكم من البادية حيث كنتم تعيشون فى شظف العيش وخشونته، ونقلكم إلى الحضر حيث تعيشون فى نعم الاجتماع ونشر الدين الحق، وتتعاونون على ترقى العلوم والصناعات. ولم يذكر له إخراجه من الجب لوجوه:
(١) إنه ذكر آخر المحن المتصلة بنهاية النعم.
(٢) إنه لو ذكر حادث الجب لكان فى ذلك تثريب لإخوته وقد قال (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) .
(٣) إنه بعد خروجه منه صار عبدا لا ملكا.
(٤) إنه بعد خروجه منه وقع فى مضارّة تهمة المرأة التي بسببها دخل السجن.
وعلى الجملة فالنعم الكاملة إنما حصلت بعد خروجه من السجن.
(مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أي من بعد أن أفسد الشيطان ما بينى وبين إخوتى من عاطفة الأخوّة، وقطع ما بيننا من وشيجة الرحم، وهيج الحسد والشر.
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) أي إن ربى عالم بدقائق الأمور رفيق بعباده، فينفذ ما يشاء فى خلقه بحكمته البالغة، فمن ذا الذي كان يدور بخلده أن الإلقاء فى الجب يعقبه الرق، ويتلو الرق فتنة العشق، ومن أجله يزجّ فى غيابات السجن، ومن ذا إلى السيادة والملك.
(إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي إنه هو العليم بمصالح عباده، فلا تخفى عليه مبادئ الأمور وغايتها، الحكيم الذي يفعل الأمور على وجه الحكمة والمصلحة، فيجازى الذين أحسنوا بالحسنى، ويجعل العاقبة للمتقين.
وبعد أن حمد يوسف ربه على لطفه فى مشيئته وعلمه وحكمته- تلا ذلك بالدعاء فقال: