روى البخاري بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت لابن أختها عروة بن الزبير وهو يسألها عن قول الله تعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) الآية، هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عليهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم- جاءهم نصر الله عند ذلك.
وعن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلّم قرأ وظنوا أنهم قد كذبوا»(مخففة) أخرجه ابن مردويه من طريق عكرمة،
ونحوه عن ابن عباس قال:«يئس الرسل أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل كذبوهم بما جاءوهم به جاءهم نصرنا» ونحوه
«عن ابن مسعود قال «حفظت عن رسول الله فى سورة يوسف أنهم قد كذبوا مخففة» اه.
(فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) أي فنجى الرسل ومن آمن بهم من أقوامهم، لأنهم بحسب ما وضع الله من تأثير الأعمال فى طهارة النفوس وزكائها- هم الذين يستحقون النجاة دون غيرهم كما قال:«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» .
(وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أي ولا يمنع عقابنا وبطشنا عن القوم الذين أجرموا فكفروا بالله وكذبوا رسله، وما أتوهم به من عند ربهم.
وقد جرت سنة الله أن يبلّغ الرسل أقوامهم ويقيموا عليهم الحجة ويندروهم سوء عاقبة الكفر والتكذيب، فيؤمن المهتدون، ويصرّ المعاندون، فينجى الله الرسل ومن آمن من أقوامهم ويهلك المكذبين.
ولا يخفى ما فى الآية من التهديد والوعيد لكفار قريش ومن على شاكلتهم من المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم.
(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) قص الخبر: حدّث به على أصح الوجوه وأصدقها، من قولهم قص الأثر واقتصه إذا تتبّعه وأحاط به خبرا، أي لقد كان فى قصص يوسف عليه السلام مع أبيه وإخوته عبرة لذوى العقول الراجحة والأفكار الثاقبة، لأنهم هم الذين يعتبرون بعواقب الأمور التي تدلّ عليها أوائلها ومقدماتها، أما الأغرار الغافلون فلا يستعملون عقولهم فى النظر والاستدلالات، ومن ثم لا يفيدهم النصح.