وجهة الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إنجاء يوسف بعد إلقائه فى غيابة الجب، وإعلاء أمره بعد وضعه فى السجن، وتمليكه مصر بعد أن بيع بالثمن البخس، والتمكين له فى الأرض من بعد الإسار والحبس الطويل، وإعزازه على من قصده بالسوء من إخوته، وجمع شمله بأبويه وبهم بعد المدة الطويلة المدى، والمجيء بهم من الشقة البعيدة النائية- إن الذي قدر على ذلك كله لقادر على إعزاز محمد صلى الله عليه وسلّم وإعلاء كلمته، وإظهار دينه، فيخرجه من بين أظهركم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له فى البلاد، ويؤيده بالجند والرجال، والأتباع والأعوان، وإن مرّت به الشدائد، وأتت دونه الأيام والحوادث.
(ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي ما كان هذا القصص حديثا يختلق ويفترى، لأنه نوع أعجز حملة الأحاديث ورواة الأخبار- ممن لم يطالع الكتب ولم يخالط العلماء، فهو دليل ظاهر، وبرهان قاهر، على أنه جاء بطريق الوحى والتنزيل. ومن ثم قال ولكن تصديق الذي بين يديه أي من الكتب السماوية التي أنزلها الله قبله على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والزبور، أي تصديق ما عندهم من الحق فيها، لا كل الذي عندهم، فهو ليس بمصدّق لما عندهم من خرافات فاسدة، وأوهام باطلة، لأنه جاء لمحوها وإزالتها، لا لإثباتها وتصديقها.
(وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) من أمر الله ونهيه، ووعده ووعيده، وبيان ما يجب له تعالى من صفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، وفيه قصص الأنبياء مع أقوامهم، لما فيها من عبر وعظات وسائر ما بالعباد إليه حاجة.
وعلى الجملة ففى القرآن تفصيل كل شىء يحتاج إليه فى أمر الدين، وقد أسهب فى موضع الإسهاب، وأوجز حيث يكفى الإيجاز، ففصّل الحق فى العقائد بالحجج والدلائل، وفى الفضائل والآداب وأصول الشريعة وأمهات الأحكام، بما به تصلح أمور البشر، وشئون الاجتماع (وَهُدىً) أي وهو هدى لمن تدبّره، وأمعن فى النظر فيه، وتلاه حق تلاوته، فهو مرشد إلى الحق وهاد إلى سبيل الرشاد وعمل الخير والصلاح، فى الدين والدنيا.