٣- (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي تعاقبهما بمجىء أحدهما وذهاب الآخر واختلافهما في الطول والقصر باختلاف الأقطار والبلدان ومواقع الطول والعرض واختلاف الفصول، وفي ذلك من المنافع والمصالح للناس آيات بينات دالة على وحدة مبدع هذا النظام ورحمته بعباده، وقد أشار إلى ذلك الكتاب الكريم في آيات أخرى فقال:«وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً، لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ، وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا» وقال أيضا: «وهو الّذى جعل اللّيل والنّهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكورا» .
ودلالتها على الوحدانية يحتاج إلى معرفة طبيعة الماء وقانون الثقل في الأجسام، وطبيعة الهواء والريح والبخار والكهرباء التي هى العمدة في سير السفن الكبرى فى هذا العصر.
وكل ذلك يجرى على سنن مطردة تدل على أنها صادرة عن قوة بديعة النظام، هى قوة الإله الواحد العليم، كما قال:«وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ» .
ودلالتها على الرحمة قد بينه سبحانه بقوله «بِما يَنْفَعُ النَّاسَ» أي ينفعهم في أسفارهم وتجارتهم، فهى تحمل أصناف المتاجر من صقع إلى صقع، ومن قطر إلى آخر، فتجعل العالم كله مشتركا في المطاعم والمشارب والملابس وأصناف الأدوية وغيرها.
وجاءت هذه المنة عقب اختلاف الليل والنهار لاحتياج المسافرين إلى تحديد اختلاف الليل والنهار ومراقبته على الوجه الذي ينتفع به، ومن احتياج ربابنة السفن إلى معرفة علم النجوم (الجغرافية الفلكية) ومن ثم قال تعالى: