٥- (وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) وقد وصف الله تعالى في آية آخري كيف ينزل المطر قال: «اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ» وهذا الوصف الموجز هو ما بينه العلماء بقولهم: إن المطر يتوالد من تصاعد بخار الماء بوساطة حرارة الهواء التي تنشأ في مياه البحار من احتكاك بعض ذراتها ببعض، ومن احتكاك الهواء بسطح البحر، وحين تصعد في الجو تتكاثف وتتكون سحبا يسقط الماء من خلالها وينزل إلى الأرض لثقله.
(فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) أي وبهذا الماء تحدث حياة الأرض بالنبات، وبه أمكن معيشة الحيوان على سطحها، وهذا هو الإحياء الأول الذي أشير إليه بقوله في آية أخرى «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» أي ان السموات والأرض كانتا مادة واحدة متصلا بعض أجزائها بيعض ففتقناهما فانفصل جرم الأرض من جرم السماء وصارت الأرض قطعة مستقلة ملتهبة وكانت مادة الماء (الأوكسجين والإيدروجين) تبخر من الأرض فتلاقى في الجو طبقة باردة تحيلها سحابا فتنزل على الأرض فتبرد حرارتها، وما زالت هذه حالها حتى صارت كلها ماء، وتكونت بعد ذلك الأرض اليابسة وحرج النبات وعاش الحيوان.
وأما الإحياء المستمر المشاهد في جميع بقاع الأرض فهو المشار إليه بقوله:
«وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» فكل أرض لا ينزل عليها المطر ولا تجرى فيها المياه من الأرضين الممطورة تكون خالية من النبات والحيوان.
فنزول الماء على هذا النحو المشاهد، وكونه سببا في حياة الحيوان والنبات من أعظم الأدلة على وحدانية المبدع، ومن جهة ما للخلق فيه من المنافع يدل على الرحمة الإلهية الشاملة.