وابن مردويه عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله تعالى، ثم قرأ: إن فى ذلك لآيات للمتوسمين» .
والفراسة على نوعين:
(١) ما يوقعه الله فى قلوب الصلحاء فيعلمون بذلك أحوال الناس بالحدس والظن (٢) ما يحصل بدلائل التجارب والأخلاق.
وقد صنّف الناس فى القديم والحديث كتبا فى ذلك، وبعض العلماء يجعلها دليلا يحكم به كما فعل إياس بن معاوية (كان قاضيا ذكيا فى عهد التابعين) .
ثم لفت أنظار أهل مكة إلى الاعتبار بها لو أرادوا فقال:
(وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي وإن هذه المدينة- مدينة سدوم- التي أصابها ما أصابها من العذاب- لبطريق واضح لا تخفى على السالكين، فآثارها باقية إلى اليوم لم تندثر ولم تخف، فالذين يمرون عليها من الحجاز إلى الشام يشاهدون آثارها كما قال فى الآية الأخرى:«وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ» .
ثم أيأس من اعتبارهم بها، إذ هى لا يعتبر بها إلا المؤمنون فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) أي إن فيما فعلناه بقوم لوط من الهلاك والدمار وإنجائنا لوطا وأهله- لدلالة جلية للمؤمنين المصدقين بالله ورسله، إذ هم يعرفون أن ذلك إنما كان انتقاما من الله لأنبيائه من أولئك الجهال الذين عصوا أمر ربهم، وكفروا برسله ولم يرعوا عن غيّهم وضلالهم بعد إنذارهم ونصحهم.
أما الذين لا يؤمنون بالله فيجعلون ذلك حوادث كونية، لأسباب فلكية، وشؤون أرضية، جعلت الأرض تنهار لحدوث فراغ فى بعض أجزائها. كما يشاهد اليوم فى البلاد ذات البراكين من اختفاء بلاد فى باطن الأرض وابتلاع الأرض لها كما حدث فى مدينة مسينا بإيطاليا سنة ١٩٠٩، وظهور جزائر فى وسط المحيطات لم تكن من قبل