للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجابهم الله عن هذه الشبهة ذاكرا وجه الحق منبّها إلى المصلحة بقوله:

(قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا) أي لو وجد فى الأرض ملائكة يمشون كما يمشى البشر، ويقيمون فيها كما يقيمون، ويسهل الاجتماع بهم، وتتلقى الشرائع منهم- لنزلنا عليهم من السماء رسلا من الملائكة للهداية والإرشاد وتعليم الناس ما يجب عليهم تعلّمه، ولكن طبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر، فلا يسهل عليهم التخاطب والتفاهم معهم، لبعد ما بين الملك وبينهم، ومن ثم لم نبعث ملائكة إليهم، بل بعثنا خواصّ البشر، لأن الله قد وهبهم نفوسا زكية، وأيدهم بأرواح قدسية، وجعل لهم ناحية ملكية، بها يستطيعون أن يتلقّوا من الملائكة، وناحية بشرية، بها يبلغون رسالات ربهم إلى عباده.

وقد نبّه سبحانه إلى عظيم هذه الحكمة، وجليل تلك النعمة بقوله: «لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم» وقوله: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم» وقوله: «كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيّكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم مالم تكونوا تعلمون» .

وإجمال القول فى ذلك- إنه لو جعل الرسل ملائكة لما استطاع الناس التخاطب معهم، ولما تمكّنوا من الفهم منهم، فلزم أن يجعلوا بشرا حتى يستطيعوا أداء الرسالة كما قال تعالى جدّه: «ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون» .

وقد ثبت أن جبريل عليه السلام جاء فى صورة دحية الكلبي مرارا عدة، فقد صح أن أعرابيا جاء وعليه وعثاء السفر فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الإسلام والإيمان، فأجابه عليه السلام بما أجابه ثم انصرف، ولم يعرفه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم فقال عليه السلام: هذا جبريل جاء يعلّمكم دينكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>