(٤) ما يجب علينا للخالق الذي هدى عقولنا إلى الإيمان بآياته التي نراها في الآفاق وفي أنفسنا، لكن هذه الهداية مبهمة تحتاج إلى التحديد من حيث معرفة ما يجب اعتقاده في الله تعالى وفي حكمة خلقنا، وما يتبع ذلك من وجوب الشكر والعبادة له، ومعرفة مصيرنا وحال الحياة الأخرى.
ومثل هذا لا سبيل إلى معرفته بطريق الكسب البشري، وكثيرا ما وقعت الأمم فى الخطأ والحيرة في فهم مسائله لجهلهم بالصلة بين الخالق والمخلوق فمنهم من توهم أن الحياة الأخرى تكون بهذه الأجساد، والجزاء فيها يكون بهذا المتاع، ومن ثمّ اخترعوا الأدوية لحفظ أجسادهم ومتاعهم كالمصريين في عهد الفراعنة.
لهذا كان الإنسان محتاجا إلى هاد يخبر عن الله تعالى لنأخذ عنه بالإيمان والتسليم ما لا يصل الحسّ والوجدان والعقل إلى إدراكه.
(٥) ما يستطيع العقل البشرى أن يصل إلى إدراك فائدته، لكنه عرضة للخطأ فيه، لما يعرض له من الشهوات والأهواء التي تلقى الغشاوة على البصائر والأبصار، فتحول بينه وبين الوصول إلى الحقيقة، أو تلبس الحقّ بالباطل أو تشبه النافع بالضار، فالخمر والحشيش يعلم الإنسان مضرتهما، لكن الشهوة تحجب ذلك عنه فيشربهما، ويؤثر حكم لذته في حكم عقله الذي ينهاه عن كل ضار، ومن ثمّ احتاج في هذا إلى معلم آخر ينصر العقل على الهوى، ويكبح جماح الشهوات ليكون على هدى وبينة من أمره.
ولما ذكر مواقيت الحج ذكر ما كان من أفعالهم فيه قال:
(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) هذا إبطال لما كانوا يفعلونه في الجاهلية إذا هم أحرموا من إتيان البيت من ظهره وتحريم دخوله من بابه، روى البخاري وابن جرير عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحمس (جمع أحمس من الحماسة، وهى الشدة والصلابة لتشددهم في دينهم) وكانوا يدخلون البيوت