وفى هذا إيماء إلى أن الاستئذان وإن كان لعذر قوى- فيه بعض الملامة لما فيه من تقديم شئون الدنيا على أمور الآخرة، كما أن فيه احتفالا برسوله صلّى الله عليه وسلّم إذ جعل الاستئذان للذهاب عنه ذنبا محتاجا إلى الاستغفار، فضلا عن الذهاب بلا إذن، ورتب الإذن على الاستئذان لبعض شأنهم لا على الاستئذان لأى أمر مهما كان، مهمّا كان أو غير مهمّ، على أنه علق الإذن بالمشيئة.
وبعد أن ظهر فى هذه السورة شرف الرسول، ولا سيما فى هذه الآية التي بهرت العقول- أردف هذا ما يؤكده فقال:
(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) أي لا تقيسوا أيها المؤمنون دعاءه عليه السلام إياكم بدعاء بعضكم بعضا فى المساهلة والرجوع من مجلسه بغير ستئذان، فإن هذا محرم عليكم.
ثم توعد المنصرفين خفية بغير استئذان فقال:
(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) أي قد يعلم الله الذين يخرجون متسللين من المسجد فى الخطبة واحدا بعد واحد من غير استئذان خفية مستترين بشىء، وإن عملهم هذا إن خفى على الرسول صلّى الله عليه وسلّم فلا يخفى على من يعلم السر والنجوى ومن لا يعزب عنه مثقال ذرة، ويعلم الدواعي التي تحملهم على ذلك، ولديه الجزاء على ما يفعلون.
روى أبو داود أنه كان من المنافقين من يثقل عليه استماع الخطبة والجلوس فى المسجد فإذا استأذن أحد من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به فأنزل الله الآية.
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي فليتق الله من يفعلون ذلك منكم، فينصرفون عن رسول الله بغير إذنه، أن تصيبهم محنة وبلاء فى الدنيا أو يصيبهم عذاب مؤلم موجع فى الآخرة، بأن يطبع الله على قلوبهم، فيتمادوا فى العصيان ومخالفة أمر الرسول، فيدخلهم النار وبئس القرار.