وأخر ذكر الإنسان عن النبات والحيوان لحاجته إليهما فى حياته، ولأنهم إذا ظفروا بماء يسقى أرضهم ومواشيهم لم يعدموا ما يكون منه سقياهم.
(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) أي ولقد صرفنا المطر بين الناس على أوضاع شتى، فلا تمر ساعة فى ليل ولا نهار إلا كان فيه دليل على آثار قدرتنا، فننزله على قوم ونحجبه عن آخرين، فنحن صرفناه بينهم كما صرفنا الليل والنهار، فالشمس تجرى من عند قوم وتذهب إلى آخرين:«صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» .
إلى أن الماء يكون جامدا يشبه الحجر، وسائلا يشبه الزيت وسائر المائعات، وحينا بخاريا يشبه الهواء، وهو أيضا غاد ورائح فى الجوّ وفى الأنهار وفى الغدران وفى أجسام النبات والحيوان والإنسان.
(لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي صرّفناه بينهم، ليعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيشكروا، ولكن أكثر الناس أبوا إلا جحودا للنعمة، وكفرانا بخالقها.
ثم بين منته على رسوله وأنه كلفه الأحمال الثقال من أعباء النبوة ليزداد شرفا ويعظم قدرا فقال:
(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) أي ولو أردنا أن نرسل رسولا إلى أهل كل قرية لفعلنا وخفّت عنك أعباء النبوة، ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة، لتستوجب بصبرك ما أعددناه لك من الكرامة والمنزلة الرفيعة، فقابل ذلك بشكر النعمة، وبالثبات والاجتهاد فى الدعوة وإظهار الحق كما قال:«قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»
وجاء فى الصحيحين «بعثت إلى الأحمر والأسود»
أي إلى العجم والعرب.
والخلاصة- إنّا عظّمناك بهذا الأمر، وجعلناك مستقلا بأعبائه، لتحوز ما ادّخر لك من عظيم جزائه، وكبير مثوبته فعليك بالمجاهدة والمثابرة، ولا عليك من تلقّيهم الدعوة بالإعراض والمشاكسة.
(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) أي فلا تطع الكافرين فيما