(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي نتلو عليك بعض أخبار موسى ومحاجته لفرعون وغلبته إياه بالحجة، وإخبار فرعون وجبروته وطغيانه، وكيف قابل الحق بالباطل، ولم تجد معه البراهين الساطعة، والمعجزات الواضحة، فأخذناه أخذ عزيز مقتدر، فكانت عاقبته الدمار والوبال، وأغرق ومن معه من جنده أجمعون، نتلوها عليك تلاوة على وجه الحق كأنك شاهد حوادثها، مبصر وقائعها، تصف ما ترى وتبصر عيانا، لقوم يصدقون بك وبكتابك. لتطمئن به قلوبهم وتثلج به صدورهم، ويعلموا أنه الحق من ربهم، وأن سنته فيمن خالفك وعاداك من المشركين هى سنته فيمن عادى موسى ومن آمن معه من بنى إسرائيل، وأن النصر دائما للمتقين ويخزى الله المكذبين:«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» .
وإنما جعل التلاوة للمؤمنين وهو يتلى على الناس أجمعين، لبيان أنه لا يعتبر بها إلا من كان له قلب واع وأذن سامعة تذكر وتتعظ بآياته، أما من أعرض عنه، وأبى واستكبر، وقال إن هذا إلا سحر يؤثر، فلا تفيده الآيات والنذر، ولا يلقى له بالا، ولا يعى ما فيه من حكمة، ولا ما يسوقه من عبرة، فهو على نحو ما حكى الله عنهم:
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) أي إن فرعون تجبر فى مصر وقهر أهلها وجاوز الغاية فى الظلم والعدوان وساس البلاد سياسة غاشمة.
ومما مكّن له فى ذلك ما بينه الله سبحانه بقوله:
(وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) أي وفرقهم فرقا مختلفة، وأحزابا متعددة، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء، كيلا يتفقوا على أمر ولا يجمعوا على رأى، ويشتغل بعضهم بالكيد لبعض، وبذا يلين له قيادهم، ولا يصعب عليه خضوعهم واستسلامهم، وتلك هى سياسة الدول الكبرى فى العصر الحاضر، وذلك هو دستورها فى حكمها