لمستعمراتها، وقد نقش حكامها فى صدورهم ذلك الدستور الذي ساروا عليه «فرّق تسد» وطالما أجدى عليهم فى سياسة تلك البلاد، التي يعمّها الجهل ويطغى على أهلها حب الظهور. ويرضون بالنّفاية والقشور.
رحماك، اللهم رحماك، بسطت لعبادك سنتك فى الأكوان، وأبنت لهم طبيعة الإنسان، وأنه محب للظلم والعدوان.
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم
(يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) أي يجعل جماعة منهم أذلاء مقهورين، يسومهم الخسف، ويعاملهم بالعسف، وهم بنو إسرائيل.
ثم فسر هذا الاستضعاف بقوله:
(يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي يذبح أبناءهم حين الولادة، وقد وكل بذلك عيونا تتجسس، فكلما ولدت امرأة منهم ذكرا ذبحوه، ويستبقى إناثهم، لأنه كان يتوجس خيفة من الذكران الذين يتمرسون الصناعات، وبأيديهم زمام المال، فإذا طال بهم الأمد استولوا على المرافق العامة، وغلبوا المصريين عليها والغلب الاقتصادى فى بلد ما أشدّ وقعا وأعظم أثرا فى أهلها من الغلب الاستعمارى، ومن ثمّ لم يشأ أن يقتل النساء.
روى السّدّى أن فرعون رأى فى منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتغلت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بنى إسرائيل، فسأل علماء قومه، فأخبره الكهنة أنه سيخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يديه، فأخذ يفعل ما قص علينا الكتاب الكريم.
قال الزجاج: والعجب من حمق فرعون، فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقا عنده فما ينفع القتل، وإن كان كاذبا فلا داعى للقتل اهـ.
ولا يعنينا من أمر هذه الرواية شىء فسواء صحت أو لم تصح، فإن السرّ المعقول ما قصصناه عليك أوّلا.