يسقون نعمهم ومواشيهم، ووجد فى مكان أسفل من مكانهم امرأتين تكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذوها، فلما رآهما موسى كذلك رقّ لهما ورحمهما، قال ما خبركما، لم لا تردان الماء مع هؤلاء القوم؟ فأجابتاه، قالتا: لا نسقى غنمنا إلا إذا فرغ هؤلاء من السقي، وأبونا شيخ كبير لا يستطيع السقي بنفسه، فنحن نلجأ إلى ما ترى، تشرب مواشينا فضل الماء.
ثم ذكر ما فعله بعد أن سمع هذا القصص فقال:
(فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) أي فسقى لهما غنمهما، ثم انصرف إلى ظل شجرة ليقيل ويستريح، وناجى ربه قائلا: إنى لمحتاج إلى شىء تنزله إلىّ من خزائن جودك وكرمك.
روى عن ابن عباس أنه قال: لقد قال موسى ذلك وهو أكرم خلق الله عليه، ولقد افتقر إلى شقّ تمرة ولصق بطنه بظهره من شدة الجوع.
فجاءه الفرج بعد الشدة وأجاب الله طلبه.
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) أي فجاءته إحدى المرأتين تمشى وهى حيية قد سترت وجهها بثوبها قائلة: إن أبى يدعوك ليكافئك على ما صنعت من الإحسان، وأسديت إلينا من المعروف بسقى غنمنا، قال عمرو بن ميمون: ولم تكن سلفعا من النساء (جريئة على الرجال) خرّاجه ولّاجة.
وقد أسندت الدعوة إلى أبيها وعلّلتها بالجزاء حتى لا يتوهم من كلامها شىء من الريبة، كما أن فى كلامها دلالة على كمال العقل والحياء والعفة كما لا يخفى.
وقد اختلف فى الأب من هو؟ فقيل هو شعيب عليه السلام وهو بعيد كل البعد، لأن شعيبا كان قبل موسى بزمن طويل بدليل قوله تعالى لقومه:«وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ» وقد كان هلاك قوم لوط فى عصر الخليل عليه السلام كما نص على ذلك الكتاب الكريم، وكان بين إبراهيم وموسى ما يزيد على أربعمائة سنة، وفى كتب اليهود أن اسمه يثرو وفى التوراة فى الفصل الثاني من السفر الثاني ما نصه: