ولما سمع بهذا الخبر (خبر قتل القبطي) طلب أن يقتل موسى فهرب من بين يديه وذهب إلى مدين وجلس على بئر ماء، وكان لكاهن مدين سبع بنات فجاءت وأدلت الدلاء وملأت الأحواض لسقى غنم أبيهن، فلما جاء الرعاة طردوهن، فقام موسى فأغائهن وسقى غنمهن، فلما جئن إلى رعوائيل أبيهن قال: ما بالكن أسرعتن المجيء اليوم؟ إلخ.
وفى الفصل الثالث: وكان موسى يرعى غنم يثرو حميه كاهن مدين.
ولما قدمت هذه المرأة إلى موسى أجابها تبركا بالشيخ لا طمعا فى الأجر (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي فلما جاء موسى هذا الشيخ وحدثه حديثه مع فرعون وآله فى كفرهم وطغيانهم وإذلالهم للعباد وتآمرهم على قتله وهربه منهم بعد الذي علمه- قال له: لا تخف من حولهم وطولهم، إنك قد نجوت من سطوة هؤلاء الظلمة، إذ لا سلطان لهم علينا، ولسنا فى دائرة ملكهم.
ولما أمنه وطمأنه على نفسه دار الحديث وكان ذا شجون.
(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أي قالت واحدة من بناته: استأجر موسى ليرعى عليك ما شيتك، فإن خير من تستأجره للرعى القوىّ على حفظ الماشية والقيام عليها فى إصلاحها وصلاحها، الأمين: الذي لا تخاف خيانته فيما تأتمنه عليه منها.
ولا يخفى أن مقالها من جوامع الكلم والحكمة البالغة، لأنه متى اجتمعت هاتان الصفتان: الأمانة والكفاية فى القائم بأداء أمر من الأمور تكلّل عمله بالظفر وكفل له أسباب النجح.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه: أفرس الناس ثلاثة: بنت شعيب، وصاحب يوسف فى قوله «عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً» وأبو بكر فى عمر.