وفى هذا ما لا يخفى من الدلالة على عظم شأن الخالق وكبريائه وسلطانه، وشديد احتقاره لفرعون وقومه، واستقلاله لهم وإن كانوا عددا كبيرا، وجما غفيرا، فما مثلهم إلا مثل حصيات صغار قذفها الرامي من يده فى البحر.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقومه بالنظر والاعتبار والتأمل فى العواقب، ليعلموا أن هذه سنة الله فى كل مكذب برسله فقال:
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أي فانظر أيها المعتبر بالآيات، كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، وكفروا بربهم، وردوا على رسوله نصيحته- ألم نهلكهم ونوّرث ديارهم وأموالهم أولياءنا ونخوّلهم ما كان لهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كبير، بعد أن كانوا مستضعفين، تقتّل أبناؤهم وتستحيا نساؤهم، وإنّا بك وبمن آمن بك فاعلون، فمخوّلوك وإياهم دبار من كذبك وردّ عليك ما أتيتهم به من الحق، وأموالهم بعد أن تستأصلوهم قتلا بالسيف- سنة الله فى الذين خلوا من قبل.
ثم ذكر ما يوجب سوء عاقبتهم وعذابهم فى النار فقال:
(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي وجعلنا فرعون وقومه أئمة يقتدى بهم أهل العتو والكفر بالله، فهم يحثون على فعل الشرور والمعاصي، وتدسية النفوس بالفسوق والآثام التي تلقى بفاعلها فى النار.
وما كفاهم أن كانوا ضالين كافرين بالله ورسوله، بل دأبوا على إضلال سواهم وتحسين العصيان لهم، وبذا قد ارتكبوا جريمتين، فباءوا بجزاءين: جزاء الضلال وجزاء الإضلال،
وقد جاء فى الحديث:«من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» .
ثم ذكر أنه لا نصير لهم ولا شفيع فى ذلك اليوم فقال:
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) أي ويوم القيامة لا يجدون نصيرا يدفع عنهم عذاب