إلى تقييد الإنفاق، ومن ثم سأل المسلمون ماذا ينفقون؟ فأجيبوا بأنهم ينفقون الفضل والزيادة على حاجة من يعولونهم.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول»
وأخرج ابن خزيمة عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: أنفق علىّ أو طلقنى، ويقول مملوكك: أنفق علىّ أو بعنى، ويقول ولدك: إلى من تكلنى؟» .
وأخرج ابن سعد عن جابر قال: قدم أبو الحصين السلمى بمثل بيضة الحمامة من الذهب، فقال يا رسول الله: أصبت هذه من معدن فخذها فهى صدقة، ما أملك غيرها، فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك فأعرض عنه، ثم أتاه من ركنه الأيسر فأعرض عنه، ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك، فيقول هذه صدقة، ثم يقعد يتكفّف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول.
والحكمة في الجمع بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن الإنفاق في آية واحدة- الموازنة بين حال فريقين من الناس: فريق ينفق المال بغير حساب في الإثم تفاخرا ومباهاة فيما لا خير فيه، أو لمجرد اللذة وإن ساءت العاقبة، وفريق ينفقه في سبيل الله يزيل به ضرورة إخوانه ذوى الحاجة، أو يرفع به شأن أمته بالإنفاق في مصالحها العامة وأعمال الخير فيها كالتعليم وإنشاء الملاجئ والمستشفيات.
فالأمة التي يكون أفرادها مليون نسمة إذا بذلوا في مصالحها العامة كتربية النشء وإعداد القوة الحربية ونحو ذلك مما يرقى شئونها- تكون أعز وأقوى من أمة عدّتها مائة مليون لا يبذلون شيئا من فضل أموالهم في مثل ذلك، فكل امرئ من الأولى يكون كأمة، لأن أمته عون له، تعده جزءا منها ويعدها كلّا له، والأمة الثانية كلها لا تعدّ بواحد، لأن كل واحد منها يخذله الآخرون، ويرى أن حياته بموته، فيكون