المسامحة فيه، إذ ذلك لا يستغنى عنه الخلطاء، ووكل أمر ذلك إلى ضمائركم، مع مراقبة من لا تخفى عليه خافية، العليم بالسر والنجوى.
(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي لو شاء إعناتكم لعزّ على غيره أن يمنعه، ولكن جرت سنته أن يجعل شرائعه جامعة لمصالح عباده، جارية على ما توحى به الفطرة المعتدلة التي فطرهم عليها.
والحكمة في وصل السؤال عن اليتامى بالسؤال عن الإنفاق والسؤال عن الخمر والميسر- أن السؤالين الأولين بينا حال طائفتين من الناس في بذلهم وإنفاقهم للمال فناسب أن يذكر بعدها السؤال عن طائفة هى أحق الناس بالإنفاق عليها، وبذل المال فى تربيتها وإصلاح شئونها، وهى جماعة اليتامى، كأنه تعالى يذكرنا بأنه حين مخالطتهم وإصلاح أمورهم يجب أن تكون النفقة من أموالنا، وأنهم من الأصناف التي تستحق أن ينفق عليها من العفو الزائد على حاجتنا، ولا ينبغي أن نعكس ذلك ونطمع فى فضول أموالهم.
ومما تقدم تعلم، كيف كانت عناية المؤمنين بأحكام دينهم وحفظ حدوده، وكيف شدد سبحانه في الأمر بشأن اليتامى، فلم يأذن في القيام عليهم إلا بقصد الإصلاح ولا بمخالطتهم إلا مخالطة الإخوة، مع توجيه القلوب إلى مراقبته، والتذكير بإحاطة علمه، ومع كل هذا لا نرى من الأوصياء على اليتامى إلا الفساد والإفساد، دون مراقبة لله في أعمالهم، ومراجعة نفوسهم في أفعالهم، غير ناظرين إلى الوعيد الشديد الذي تقشعر من هوله الصمّ الجلاميد.