(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ؟) أي أأعبد من دون الله آلهة لا تملك من الأمر شيئا، وهو لو أرادنى بسوء فلا كاشف له إلا هو، ولا تملك الآلهة دفعه عنى ولا منعه.
(إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إنى إذا فعلت ذلك واتخذت من دونه آلهة لفى ضلال بيّن لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل، فإن إشراك من لا يخلق وليس من شأنه النفع والضر، بمن يخلق وهو القادر على كل شىء- خطأ ظاهر، وغلط واضح لدى أرباب الأحلام وذوى الحجا.
ثم التفت إلى الرسل وخاطبهم منيبا إلى ربه فقال:
(إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) أي إنى آمنت بربكم الذي أرسلكم فاشهدوا لى بذلك عنده.
روى أنه لما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يجد من يدافع عنه.
قال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا به كذلك حتى فارق الحياة.
ثم ذكر مآل أمره وما قاله حين وجد النعيم والكرامة، فقال:
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ، قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) أي قال الله له: ادخل الجنة كفاء ما قدمت من عمل وأسلفت من إحسان، فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره قال: ليت قومى يعلمون بما أنا فيه من نعيم، وخير عميم، لإيمانى بربي وتصديقى برسله وصبرى على أذى قومى، وإنما تمنى علم قومه بحاله، ليحملهم ذلك على اكتساب المثوبة مثله بالتوبة عن الكفر والدخول فى حظيرة الإيمان والطاعة اتباعا لسنن أولياء الله الذين يكظمون الغيظ ويترحمون على الأعداء.