للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان المرء في دار الدنيا المملوءة أكاذيب ونفاقا يخجل فيحمرّ وجهه، ويوجل فيصفرّ وجهه ويتخذ القضاة من ذلك أدلة على إدانة المتهم. كما نقصّ آثار أقدام اللصوص والجناة ونتبعهم في السهل والجبل حتى إذا عثرنا عليهم قدمناهم للقضاء بشهادة هذه الآثار التي لا اشتباه فيها، كذلك نختم بأصابغ المجرمين على الورق (البصمة) فلا تشاكل يد يدا، مما يجعل لذلك أجلّ قيمة في خدمة العدالة.

وإذا كان هذا في عالمنا الجسماني فما بالك بعالم الأرواح التي يكون فيها لكل ذنب أو عمل حسن أثر في النفوس يولد فيها الخير أو الشر، حتى إذا انفصلت الأرواح من الأجساد ظهر ما انطبع فيها من خير أو شر؟ وإلى هذا يشير قوله تعالى ذاكرا حال الحساب يوم القيامة: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» فالنفس إذا هى الكتاب الذي لا غش فيه ولا كذب، فإذا صمت اللسان نطقت الجوارح كما ننطق آثارها اليوم، أي تدل على المراد أفصح دلالة، وترشد إلى المقصود أيما إرشاد، وهذا هو الذي ينبغى أن يفهم في الآية الكريمة.

ثم بين سبحانه أنه قادر على إذهاب الأبصار، كما هو قادر على إذهاب البصائر فقال:

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أي ولو نشاء لعاقبناهم على كفرهم، فطمسنا على أعينهم، فصيرناهم عميا لا يبصرون طريقا، ولا يهتدون إلى شىء.

وإجمال المراد: لو شئنا لأذهبنا أحداقهم، فلو أرادوا الاستباق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه لم يستطيعوا ذلك.

ثم زاد في تهديدهم وتوبيخهم وبيان أنه قادر على منعهم من الحركة فقال:

(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) أي ولو أردنا لحوّلناهم عن تلك الحال إلى ما هو أقبح منها، فجعلناهم قردة وخنازير وهم

<<  <  ج: ص:  >  >>