ثم ذكر سبحانه أنهم لاموا جوارحهم على أداء الشهادة التي تلزمهم الحجة، فحكى عنهم قولهم لها.
(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟) أي وقالوا على جهة اللوم والمؤاخذة لجلودهم حين شهدوا عليهم، لم شهدتم علينا؟ وقد كانوا في الدنيا مساعدين لهم على المعاصي، فكيف يشهدون عليهم الآن؟.
فأجابوهم حينئذ معتذرين:
(قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي قالوا: إن الله جعل فينا من الدلالات الفعلية ما يقوم مقام النطق، بل ما هو أفصح منها، فشهدنا عليكم بما فعلتم من القبائح.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال:«كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: ألم تجرنى من الظلم؟ قال: يقول بلى. قال فيقول: فإنى لا أجيز على نفسى إلا شاهدا منى. قال: يقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا: قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقى، فتنطق بأعماله، قال ثم يخلّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول بعدا لكنّ وسحقا، فعنكنّ كنت أناضل» .
(وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فهو لا يخالف ولا يمانع، وقد جعل فيكم دلائل واضحة كخطوط اليد والإبهام والأصوات وألوان الوجوه وأشكالها، ولكنّ قليلا من الناس من يفطن إلى ذلك.
فمن قدر على خلقكم وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه، ومن ثم قال:
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي وإليه مصيركم بعد مماتكم، فيجازى كل نفس بما كسبت.