ثم وبختهم جلودهم على ما كانوا يفعلون في الدنيا فقالت لهم:
(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) أي وما كنتم تستخفون حين تفعلون قبيح الأعمال، وترتكبون عظيم الفواحش- بالحيطان والحجب حذرا من شهادة الجوارح عليكم، بل كنتم تجاهرون بالكفر والمعاصي، وتجحدون البعث والجزاء.
قال عبد الأعلى بن عبد الله الشامي فأحسن:
العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتقال عثرات الفتى فيزيد
هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجل جوارحه عليه شهود؟
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهى ... تقليلها وعن الممات يحيد
(وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) أي ولكن ظننتم عند استتاركم من الناس مع عدم استتاركم من أعضائكم أن الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون من المعاصي فاجترأتم على فعلها.
والخلاصة- إنكم كنتم في الدنيا تستترون عن الناس خوف الفضيحة والعار حين ارتكاب الذنوب، وما ظننتم أن أعضاءكم وجسمكم الأثيرى الذي هو على صورة الجسم الظاهري قد سطرت فيه جميع أعمالكم، كأنه لوح محفوظ لها، فلذلك ما كنتم تستترون عنها بترك الذنوب.
وفي الآية إيماء إلى أنه لا ينبغى للمؤمن أن تمر عليه حال إلا وهو يفكر في أن الله رقيب عليه، كما قال أبو نواس:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علىّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة ... ولا أنّ ما يخفى عليه يغيب
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: «كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشى وثقفيان، أو ثقفى وقرشيان، قليل فقه قلوبهم، كثير شحم