وسر هذا تقرير وحدة الأمة وتكافلها، وتأثير سيرة بعض أفرادها في بعض حتى كأنها شخص واحد، وكل جماعة منها كعضو فيه، وهذا استعمال معهود في كلام العرب يقولون هجمنا على بنى فلان حتى أفنيناهم، ثم أجمعوا أمرهم وكرّوا علينا، ولا شك أن الذي كر إنما هو من بقي منهم.
وإطلاق الحياة على حال الأمة المعنوية الشريفة في الأشخاص والأمم، والموت على مقابلها، معهود في القرآن كقوله:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» وقوله: «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها» .
(إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) جميعا بما جعل في موتهم من الحياة، فقد جعل المصايب محيية للهمم، كما جعل الجبن والهلع وغيرهما من مفاسد الأخلاق سببا في ضعف الأمم، وجعل ضعفها مغريا للقوى بالاعتداء عليها، وجعل هذا الاعتداء منبها لها إلى اليقظة بعد السّبات العميق، حتى تحيا وتكون أمة عزيزة مرهوبة الجانب، قوية البطش والشوكة.
والخلاصة- إن إماتة الأمة إنما تكون بتسليط الأعداء عليها، والتنكيل بها، وإحياءها يكون بإحياء نابتة من أبنائها تستردّ ذلك المجد الضائع، والشرف المسلوب، كالبنيان القديم الذي تقضى الضرورة بإزالته، وإقامة بناء جديد تدعو الحاجة إلى عمل مثله، أو كالعضو الفاسد الذي يبتره الطبيب ليسلم الجسد كله.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي لا يقومون بحقوق هذه النعم، بل هم فى غفلة من حكمة ربهم، فينبغى للمؤمنين أن يعتبروا بما نزل بغيرهم، ويستفيدوا من حوادث الكون، حتى إذا نزل بهم البلاء بما يقع منهم من التفريط، لم يقصروا في حماية أنفسهم، علما منهم بأن الحياة العزيزة لا تكون إلا بدفع المعتدى، ومقاومة عدوانه، هذا خلاصة ما اختاره الأستاذ الإمام تفسيرا للآية.