للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختار غيره أن الآية تشير إلى قوم بأعيانهم خرجوا من ديارهم، ورووا عن ابن عباس أن ملكا من ملوك بنى إسرائيل استنفر عسكره للقتال فأبوا وقالوا: إن الأرض التي سنذهب إليها موبوءة، فدعنا حتى يزول الوباء، فأماتهم الله ثمانية أيام حتى انتفخوا، وعجز بنو إسرائيل عن دفنهم لكثرتهم، فأحياهم الله وقد بقي منهم شيء من ذلك النّتن وقالوا إن هذا الموت لم يكن كالموت الذي يكون وراءه الحياة للبعث والنشور، وإنما هو نوع انقطاع لتعلق الروح بالجسد بحيث لا يلحقه التغيير والفساد، وهو فوق داء السكتة والإغماء الشديد، حتى لا يشك الرائي الحاذق لو رآه بأنه موت حقيقى.

وقيل إنه من خوارق العادات، فلا يجرى على سنن الموت الطبيعية.

(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) القتال في سبيل الله هو القتال لإعلاء كلمة الحق، وتأمين الدعوة، ونشر الدين، حتى لا يغلب أهله، ولا يصدهم صادّ عن إقامة شعائره، وتلقين أوامره، والدفاع عن بلاد الإسلام إذا همّ الطامع في اغتصابها والتمتع بخيراتها، وإرادة إذلالها، والعدوان على استقلالها.

فهذا أمر لنا بأن نتحلّى بالشجاعة، ونلبس سرابيل القوة، ليخشى العدو بأسنا، ويرهب جانبنا، ونكون أعزاء ونحيا حياة سعيدة في دنيانا وأخرانا.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فعلينا أن نراقب أنفسنا فيما عسى أن نعتذر به عن التقصير عن امتثال الأمر بالقتال بنحو قولنا- ماذا نعمل، ليس لنا في الأمر شىء «ليس لها من دون الله كاشفة» إلى نحو ذلك من تعلّات الجبناء التي لا يتقبلها الله وما هى إلا مراوغة، وفرار من الاستعداد للدفاع ومقاتلة العدو، فالمتعلل بها مخادع لربه ولنفسه ولقومه.

فمن علم علما صحيحا أن الله سميع لما يقول، عليم بما يفعل، حاسب نفسه حتى يتجلّى له من تقصيره ما يحمله على التشمير عن ساعد الجد لتدارك ما فات، والاستعداد لما هو آت.

<<  <  ج: ص:  >  >>