للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الآثام، واقترفتم من الشرور والمعاصي، ويعفو لكم عن كثير من جرائمكم فلا يعاقبكم بها.

فالله سبحانه جعل الذنوب أسبابا لها نتائجها ومسبباتها: فشارب الخمر يصاب بكثير من الأمراض الجسمية والعقلية فى الدنيا وهى أثر من آثار ما اجترح من الذنب. والتاجر غير الأمين أو الكذاب تصاب تجارته بالكساد ويشهر بين الناس بالخيانة فيحجمون عن معاملته. والحكام المرتشون الظلمة الذين يجمعون أموالهم بالسحت يصابون بالفقر والعدم ويصبحون مثلا بين الناس، وإن لم يصبهم الفقر بصب أولادهم فيصبحوا بحال يرثى لها ويصيروا أحاديث الخاصة والعامة. والأمم الظالمة التي لا تناصر بين أفرادها، بل بينها التقاطع، ويبتز بعض أفرادها أموال بعض آخر، تصاب بالمهانة بعد العظمة والذلة بعد العزة، وما الأمثال فى ذلك بعزيزة، فها هى ذى الأمم الشرقية إنما أصابها ما أصابها من الضعف والخمول والاضمحلال ثم الزوال من صفحة الوجود بما اجترحت من ظلم وإفساد فى الأرض، وأكل بعضها أموال بعض واحتجان عظمائها الأموال فى خزائنهم، وابتزازها من أيدى الضعفاء وقد اقتص الله لهم منهم، فأضاع ملكهم، وأذهب ريحهم، وجعلهم لقمة سائغة للمستعمرين الذين تحكموا فيهم وجعلوهم كالعبيد، يتصرفون فيهم بحسب أهوائهم، وما تمليه عليهم مصالحهم، وما يدرّ عليهم الخير لبلادهم وشعوبهم.

وفى هذا عبرة لمن ادّكر، وقد تقدم أن قلنا فى غير موضع إن عقاب الأفراد فى الدنيا ليس بالمطرد، إذ كثيرا ما نرى سكيرا عربيدا لا يصاب بأذى مما يفعل، ونرى تاجرا يخون الأمانة ولا يصاب بكساد فى تجارته، وحينئذ يكون عقاب كل منهما مؤجلا ليوم الحساب إن شاء ربك عاقب، وإن شاء عفا بعد التوبة عما فرط منهما من الذنوب والآثام.

أما عقاب الأمم على ما تجترح من السيئات فهو محقق فى الدنيا، ولدينا عظة التاريخ فى القديم والحديث، فما من أمة تركت أوامر دينها وخالفت نواميس العمران،

<<  <  ج: ص:  >  >>