روى أن موسى عليه السلام لما قطع البحر رجع ليضربه بعصاه حتى يلتئم خوفا من فرعون وجنوده أن يتبعوه، فأمر أن يتركه كما هو حتى يدخلوه.
وإنما أخبر موسى بغرقهم ليطمئن قلبه فيترك البحر كما هو.
ولما أخبر بغرقهم ذكر ما خلفوه فقال:
(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ. وَمَقامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) أي كم ترك فرعون وقومه بعد مهلكهم من بساتين فيحاء، وحدائق غنّاء، وزروع ناضرة، وقصور شاهقة، فقد كانوا فى بلهنية من العيش، وسعة فى الرزق، وخفض ودعة، وسرور وحبور.
ثم أكد هذا بقوله:
(كَذلِكَ) أي هكذا فعلنا بهؤلاء الذين كذبوا رسلنا، وهكذا نفعل بكل من عصانا وخالف أمرنا.
(وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) أي وأورثنا تلك البلاد بما فيها من خير عميم، ونعيم عظيم، قوما غير أهلها ممن لا يمتون إليهم بقرابة ولا دين، فقد تغلب على مصر الآشوريون والبابليون حينا، والحبش حينا آخر، ثم الفرس مدة واليونان أخرى ثم الرومان من بعدهم، ثم العرب ثم الطولونيون والإخشيديون والفاطميون والمماليك البرية والبحرية والترك والفرنسيون والإنكليز. وها نحن أولاء نجاهد لنحظى بخروجهم من ديارنا ونتمكن من استقلال بلادنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد «قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
ثم سخر منهم واستهزأ بهم حين هلكوا فقال:
(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) كان هؤلاء القوم يستعظمون أنفسهم ويظنون أنهم لو ماتوا لقال الناس فيهم ذلك على ما جرت به العادة فى مهلك العظيم