هذا ولا شك من عجائب القرآن، فإن ما جاء فيه مما يتعلق بعالم الأرواح أصبح علوما تدرس وتذاع بين الناس باعتبارها علوما روحية وكشفا حديثا، صدق ربنا «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» .
فالقوى الجسمية والعقلية للعالم الروحي ظهرت بطريق استحضار الأرواح والتنويم المغناطيسى، إذ فيه انخلاع للنفس عن البدن انخلاعا جزئيا أو كليا وهى مربوطة به ولها اتصال بالعوالم الروحية.
(فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) أي فاستقام جبريل على صورته التي خلقه الله عليها حين أحب رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يراه كذلك، فظهر له فى الأفق الأعلى وهو أفق الشمس، فملأه ثم أخذ يدنو من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويتدلى: أي يزيد فى القرب والنزول حتى كان منه مقدار قوسين أو أقرب على تقديركم وعلى مقدار فهمكم، فأوحى إلى عبده ورسوله ما شاء أن يوحيه إليه من شئون الدين. ولا غرو فإن ظهور الأرواح فى صورة مرئية أصبح الآن معروفا، وقد قص علماء الروح عجائب وغرائب وأصبح فى طوقهم أن يظهروا الروح فى صور بشرية وصور نورية وتخاطبهم حين التنويم المغناطيسى، وإذا صح ذلك للعلة فليكن ذلك للقدّيسين والأنبياء بالأولى بطريق يشاكل مقامهم، ولا تتجلى الأرواح إلا بالمناسبة بين المتجلّى والمتجلّى عليه، وظهوره فى صورة مرئية يرجع إلى قوته وشدته، وقوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى، يرجع إلى قوته العلمية.
ولما كان الإنسان كثيرا ما يظن أنه قد تخيل ما رآه ويكذب قلبه ما ظهر له، حتى قال علماء الأرواح: إنهم لما خاطبوا الأرواح قالت لهم، إنكم كثيرا ما يظهر لكم عجائب روحية فتظنونها من الوهم وتنسبونها إلى خداع الحواس- أعقب سبحانه هذا بما يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يقم بنفسه أن هذا تخيل ولا أنه وهم فقال: