(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أي ما كذب فؤاده ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السّلام: أي إن فؤاده صلّى الله عليه وسلّم ما قال لما رآه ببصره لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره.
والخلاصة- إنه لما قال: إن هو إلا وحي يوحى أكد هذا المعنى وفصله بقوله:
علّمه شديد القوى، ليبين أنه ليس من الشعر ولا من الكهانة فى شىء، ولما قال:
فاستوى وذكر قيامه بصورته الحقيقية أكد أن مجيئه بصورة دحية الكلبي لا يعمّى وصفه، إذ قد عرفه بشكله الحقيقي من قبل، فلا يشتبه عليه، وقوله: ثم دنا فتدلى تتميم لحديث نزوله عليه السّلام وإتيانه بالمنزّل، وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، بين به أنه لما عرفه وحققه لم يكذّبه فؤاده بعد ذلك فى أنه جبريل، ولو تصور بغير تلك الصورة.
(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى؟) أي أفتكذبونه وتجادلونه فيما رآه بعينه من صورة جبريل عليه السّلام له.
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) أي ولقد رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم جبريل فى صورته التي خلقه الله عليها عند شجرة النبق التي ينتهى إليها علم كل عالم وما وراءها لا يعلمه إلا الله قاله ابن عباس.
وقد يكون المراد بالمنتهى الله عز وجل أي سدرة الله الذي إليه المنتهى كما قال سبحانه «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى» وعند هذه السدرة الجنة التي يأوى إليها المتقون يوم القيامة قاله الحسن البصري.
وعلينا أن نؤمن بهذه الشجرة كما وصفها الله، ولا نعين مكانها ولا نصفها بأوصاف أكثر مما وصفها به الكتاب الكريم، إلا إذا ورد عن المعصوم صلّى الله عليه وسلم ما يبين ذلك ويثبت لدينا بالتواتر، لأن ذلك من علم الغيب الذي لم يؤذن لنا بعلمه.