وتتم شهادتها، وعلى القاضي أن يسأل إحداهما بحضور الأخرى، ويعتدّ بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى، وكثير من القضاة لا يعلمون بهذا جهلا منهم بما ينبغى أن يتبع في نحو هذا.
أما الرجلان فيفرق بينهما، فإن قصر أحدهما أو نسى شيئا مما يبين الحق لا يعتد بشهادته، وتكون شهادة الآخر وحده غير كافية ولا يعول عليها إن بينت الحق.
وهذه العبارة لبيان سر تشريع الحكم في اشتراط العدد في النساء، إذ قد جرت العادة أن المرأة لا تشتغل بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فتكون ذاكرتها ضعيفة فيها، بخلاف الأمور المنزلية فإن ذاكرتها فيها أقوى من ذاكرة الرجل فقد جبل الإنسان على أن يقوى تذكره لما يهتم به ويعنى بشأنه، واشتغال النساء في هذا العصر بالمسائل المالية لا يغير هذا الحكم. لأن الأحكام إنما تكون للأعم الأكثر، وعدد هؤلاء قليل في كل أمة وجيل.
(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) أي ولا ينبغى للشهود أن يمتنعوا عن تحمل الشهادة ليؤدوها حين الحاجة.
روى الربيع أن الآية نزلت حين كان الرجل يطوف في القوم الكثير فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم، وقيل إن المراد لا يأبوا عن تحمل الشهادة ولا أدائها، فالامتناع عن كل منهما محرم، وهو فرض كفاية لا يجب على من دعى إليه إلا إذا لم يوجد غيره يقوم مقامه.
(وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) أي ولا تتكاسلوا عن كتابة الدين، قليلا كان أو كثيرا، مبينين بذلك أجله المسمى.
وفي هذا دليل على أن الكتابة من الأدلة التي تعتبر عند استيفاء شروطها، وعلى أنها واجبة في القليل والكثير، وعلى أنه لا ينبغى التهاون في الحقوق حتى لا يضيع شىء منها، وهذا قاعدة من قواعدة الاقتصاد في العصر الحديث، فكل المعاملات والمعاوضات لها دفاتر خاصة تذكر فيها مواقيتها، والمحاكم تجعلها أدلة في الإثبات