(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) أصل يضارّ يضارر (بكسر الراء) وهذا نهى للكاتب أن يضر أحد المتعاملين بالتحريف أو التغيير بزيادة أو نقص، وللشاهدين أن يحرفا أو يتركا الإجابة عما يطلب منهما، ويؤيده قوله بعد (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) إذ التحريف في الكتابة والشهادة فسق وإثم.
(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي وإن تفعلوا ما نهيتم عنه من الضرار، فإن هذا الفعل خروج من طاعة الله إلى معصيته.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي واتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وهو سبحانه يعلمكم ما فيه صلاح حالكم في الدارين وحفظ أموالكم، ولولا هديه لكم لم تعلموا شيئا، وهو العليم بكل شىء، فإذا شرع شيئا من الأحكام فإنما يشرعه عن علم محيط بأسباب درء المفاسد وجلب المصالح لمن اتبع شرعه وهداه.
وجاء ختم الآية بهذه الموعظة الحسنة ليكون معينا على الامتثال لجميع ما تضمنته من الأحكام- وهذه الآية أطول آية في القرآن وأبسطها شرحا وأبينها أحكاما، وفيها مبالغة في التوصية بحفظ المال وصونه من الضياع، ليتمكن المرء من الإنفاق في سبيل الله، والإعراض عما يوجب سخطه من التعامل بالربا وغيره، ومن المواظبة على تقواه التي هى الوسيلة لكل فوز وفلاح.
ثم ذكر ما هو كالاستثناء من الأحكام السابقة فقال:
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) أي وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يحسن كتابة المداينة، أولم تجدوا صحيفة ولا دواة ولا قرطاسا، فاستوثقوا برهن تقبضونه.
وذكر السفر وعدم وجود الكاتب الذي يكتب وثيقة الدين، بيان للعذر الذي رخص ترك الكتابة ووضع الرهن محله في التوثق لصاحب الدين لا لمنع أخذ الرهن فى غير ذلك، فقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه في المدينة ليهودى بعشرين صاعا من شعير أخذها لأهله رواه البخاري ومسلم.