(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) الفراش: هو الحشرة التي تراها تترامى على ضوء السراج ليلا، وبها يضرب المثل فى الجهل بالعاقبة قال جرير:
إن الفرزدق ما علمت وقومه ... مثل الفراش غشين نار المصطلى
والمبثوث: المفرق المنتشر، تقول بثثت الشيء: أي فرقته.
أي إن الناس من هول ذلك اليوم يكونون منتشرين حيارى هائمين على وجوههم لا يدرون ماذا يفعلون، ولا ماذا يراد بهم كالفراش الذي يتجه إلى غير جهة واحدة.
بل تذهب كل فراشة إلى جهة غير ما تذهب إليها الأخرى.
وجاء تشبيههم فى آية أخرى بالجراد المنتشر فى كثرتهم وتتابعهم فقال:«كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ» .
(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) العهن (بكسر العين وسكون الهاء) الصوف ذو الألوان، والمنفوش: الذي نفش ففرقت شعراته بعضها عن بعض حتى صار على حال يطير مع أضعف ريح.
أي إن الجبال لتفتتها وتفرق أجزائها لم يبق لها إلا صورة الصوف المنفوش فلا تلبث أن تذهب وتتطاير، فكيف يكون الإنسان حين حدوثها وهو ذلك الجسم الضعيف السريع الانحلال.
وقد كثر فى القرآن ذكر حال الجبال يوم القيامة فقال:«وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ» وقال: «وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا» وقال:
«وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» كل ذلك ليبين أن هذه الأجسام العظيمة التي من طبعها الاستقرار والثبات تؤثر فيها هذه القارعة، فما بالك أيها المخلوق الضعيف الذي لا قوة له؟
وفى هذا تحذير للإنسان وتخويف له كما لا يخفى.
وبعد أن ذكر أوصاف هذا اليوم بما يكون من أحوال بعض الخلائق- أعقب ذلك بذكر الجزاء على الأعمال فقال: