للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) يقال ثقل ميزان فلان إذا كان له قدر ومنزلة رفيعة، كأنه إذا وضع فى ميزان كان له به رجحان، وإنما يكون المقدار والقيمة لأهل الأعمال الصالحة، والفضائل الراجحة، فهؤلاء يجزون النعيم الدائم ويكونون فى عيشة راضية، تقرّ بها أعينهم، وتسر بها نفوسهم.

ويرى بعض المفسرين أن الذي يوزن هو الصحف التي تكتب فيها الحسنات والسيئات.

ولما ذكر نعيم أهل الخير أردفه عقاب أهل الشر فقال:

(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) يقال خف ميزانه: أي سقطت قيمته فكأنه ليس بشىء حتى لو وضع فى كفة ميزان لم يرجح بها على أختها، ومن كان فى الدنيا كثير الشر، قليل فعل الخير، فدسّى نفسه بالشرك واجتراح المعاصي وعاث فى الأرض فسادا، لم يكن شيئا، فلا ترجح له كفة ميزان لو وضع فيها.

وعلى الجملة فعلينا أن نؤمن بما ذكره الله من الميزان فى هذه الآية وفى قوله:

«وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ» ومن وزن الأعمال، وتمييز مقدار لكل عمل، وليس علينا أن نبحث وراء ذلك، فلا نسأل كيف يزن، ولا كيف يقدر؟

فهو أعلم بغيبه، ونحن لا نعلم.

أما أن الميزان له لسان وكفّتان فهذان لم يرد به نص عن المعصوم يلزمنا التصديق به، وكيف يوزن بهذا الميزان الذي تعلمه الإنسان فى مهد البداوة الأولى، ويترك ما هو أدق منه مما اخترع فيما بعد وهدى إليه الناس، على أن جميع ما عمله البشر، فهو ميزان للأثقال الجسمانية لا ميزان للمعانى المعقولة كالحسنات والسيئات، فلنفوض أمر ذلك إلى عالم الغيب.

والمراد من كون أمه هاوية- أن مرجعه الذي يأوى إليه مهواة سحيقة فى جهنم يهوى فيها، كما يأوى الولد إلى أمه، قال أمية بن أبى الصلت:

فالأرض معقلنا وكانت أمّنا ... فيها مقابرنا وفيها نولد

<<  <  ج: ص:  >  >>